التقديم: مفهوم الحرية
يطرح إشكال الحرية في مجال التفكير الفلسفي على عدة مستويات: اجتماعية ونفسية وتاريخية وأخلاقية وسياسية وميتافيزيقية وغيرها. ولذلك نجد هذا الإشكال في مجموعة من الدروس السابقة؛ فهو مطروح في مفهوم الشخص ضمن إشكال الشخص بين الضرورة والحرية، كما نجده في الواجب من خلال إشكال الواجب والإكراه …
ولهذا إذا أردنا معالجة إشكال الحرية وجب استحضار كل هذه الأبعاد والمستويات. وسوف نقتصر في هذا الدرس على تناول إشكال الحرية من خلال بعدين رئيسيين هما: البعد الميتافيزيقي والبعد السياسي. ذلك أن باقي الأبعاد تم تناولها في الدروس السابقة. والمقصود بالبعد الميتافيزيقي، هو تناول الحرية في علاقتها بالإرادة التي يمتلكها الإنسان، و ذلك بشكل مجرد ودون النظر إلى علاقة هذا الإنسان بالمجتمع والآخرين.
هكذا يثير هذا البعد الميتافيزيقي علاقة مفهوم الحرية بمفهومين رئيسيين هما الحتمية والإرادة؛ فهل يمتلك الإنسان إرادة حرة وقدرة على الاختيار أم أنه خاضع لحتميات؟ وهل الحرية هي تجاوز للحتمية أم وعي بها وعمل وفقا لشروطها؟ وما هي إذن حدود الإرادة الحرة لدى الإنسان؟
ما يجب معرفته
تعريف
مفاهيم ومصطلحات مفهوم الحرية:
مفهوم الحرية : القدرة على الفعل او عدمه دون تدخل شيء خارج عن الارادة،انها اختيار بين ممكنات بمسؤولية
مفهوم الحتمية : في المستوى الانساني تفيد ان افكارنا وسلوكاتنا ليست سوى نتيجة ضرورية لاسباب سابقة عليها واننا محصلة لعلل ضرورية
مفهوم الإرادة : القدرة على تحديد مفهوم الذات وعلى الاختيار والتصرف وفق ما يمليه تفكير الفرد
مفهوم القانون : القاعدة الالزامية الصادرة عن سلطة ذات سيادة ومنظمة للنشاط الانساني داخل المجتمع
مفهوم القاعدة : تشير الى ما ينبغي فعله في حالة محددة ضمن شروط متفق عليها بوصفها شروطا اجبارية
مفهوم الالتزام : فعل او موقف يعبرالفرد من خلاله عن انخراطه في المجتمع وقضاياه،كما يعني تلك القواعد والقيم العقلية التي يقتنع بها الشخص ويعمل بها دون اكراه خارجي
مفهوم الإلزام : قاعدة اوعلاقة تحد الفعل او تمنعه او توجهه نحو ممارسة تستجيب لاكراهات خارجة عن الذات مثل سلطة المجتمع
مفهوم الجبرية : مذهب يعتقد بان الانسان خاضع لقدر،وان كل ما يقع له خارج عن ارادته،وما عليه الا الرضى بهذا القدر
الشعور هو علامة أولى على استقلال إرادتنا، فالشعور بالحرية ملازم للشعور بالشخصية، فالإنسان يشعر بالحرية ويعتقد بها، ما دام يعي أسباب أفعاله وهو مسؤول عنها؛ إلا أن شهادة الشعور بالحرية غير كافية لإثبات وجود الحرية المطلقة، فأحيانا لا ندري هل نتصرف بحرية أم أننا نخضع لإكراهات خفية ورغبات لاشعورية.
هل الحرية تتعارض مع الحتمية أم أن الوعي بالحتمية هو ما يمثل أساس الحرية؟
1ـــــ) أطروحة القول بالإرادة الحرة للإنسان. (موقف باروخ اسبينوزا).
يرى سبينوزا، أنه لا وجود لحرية إنسانية، فإذا كانت الحرية تعني قدرة الفرد على اختيار غاياته والسلوك وفق إرادته الخاصة، دون تدخل عوامل تؤثر في تلك الإرادة فجميع الأشياء المخلوقة محددة بعلل خارجية في وجودها وافعالها. وتدل العلل الخارجية على كل ما يحدد فعل ووجود الشيء من الخارج، أي تلك العوامل التي تدفع الشيء إلى الفعل بغير حرية ولا إرادة، إذن فلا وجود لمجال الحرية وإنما هناك فقط الخضوع للعلل الخارجية التي تشير إلى الضرورة والحتمية. ولتوضح موقفه هذا يستحضر سبينوزا مثالا توضيحيا، وهو مثال حجر يتدحرج بفعل سبب خارجي، اي بقدر معين من الحركة، ثم بعد ذلك تتوقف تلك الحركة، في حين يواصل الحجر تدحرجه بالضرورة. فإن استمر الحجر في التحرك فيكون ذلك بفعل إكراه. أي أن الحجر لا يتحرك بالضرورة، بل لكونه مدفوعا بعلة خارجية. وما يفهم من هذا المثال هو أن الفعل مرتبط بعلة خارجية تدفع إليه. وبعد استحضاره للمثال وشرحه، يعمم صاحب النص هذا القول على كل الأشياء الأخرى. حيث يقول: "وذلك لأن اي شيء كيفما كان لابد وأنه محدد بعلة خارجية تتحكم في وجوده وفعله". وبالتالي فكل شيء بما في ذلك الإنسان، يخضع للعلل الخارجية، وهذه العلل تكون هي محدد الوجود والفعل.
ما يجب معرفته
مايجب معرفته:
بما أن حالة الطبيعة تضر الناس أكثر مما تنفعهم، وتهدد حياتهم واستقرارهم، ولأن الحقوق التي كانت لهم في تلك الحالة، أصبحت الآن تنتمي إلى الجماعة، ولم تعد تملى وفقا للقوة أو الشهوة البيولوجية، فإن اسبينوزا يؤكد على أهمية تشييد مجتمع سياسي قائم على التعاقد الإرادي والحر، من شأنه أن يولي أهمية للحق المدني المتوافق مع مبادئ العقل والسلم. "إن الطبيعة لا تقتصر على قوانين العقل الإنساني الذي يعد هدفه الوحيد هو المنفعة الحقيقية والمحافظة على البشر، بل إنها تشتمل على ما لا نهاية له من القوانين الأخرى المتعلقة بالنظام الأزلي للطبيعة بأكملها”
فميل الطفل إلى ثدي أمه، أو الأفعال التي تصدر عن شاب في حالة الغضب الشديد، أو رغبة الجبان في الهرب، أو الكلام الذي يصدر عن الثرثار أو عن المصاب بالهذيان … كل هذه الأفعال وغيرها يسوقها اسبينوزا لكي يثبت أنه بالرغم من أننا نعتقد أنها نابعة من إرادتنا الحرة، لكنها في واقع الأمر ناتجة عن الإكراه الذي تمارسه علينا دوافع خفية نجهل مصدرها.
2ـــــ) أطروحة التصور التعاقدي (موقف جون جاك روسو):
يتأسس التصور التعاقدي مع روسو على رفض نظرية الحق الطبيعي كما تمت الاشارة إليها مع السوفسطائيين، وفي هذا السياق يقول روسو: " إن القوة لا تخلق الحق، ولا خضوع إلا للقوى المشروعة". لا يمكن إذن حسب هذا التصور أن نؤسس الحق على القوة، لأن القوة قدرة مادية متلاشية مع الزمن، ويمكن أن تظهر قوة أقوى منها، كما أن القوة تتطلب وجود من يخضع وينصاع، غير أن الانصياع هنا لا يكون بإرادة وطواعية، بل يكون بفعل الإكراه والجبر والإلزام، وبالتالي لا يمكن ضمان ولاء من يكون مكرها. وهذا ما يتطلب البحث عن أساس ثابت يضمن الخضوع بإرادة وحرية، وهذا ما يمكن أن يتضمنه الخضوع للقوة المشروعة، أي قوة القانون الذي يكون مؤسسا على التزامات لا إكراه فيها، مما يجعل القانون صالحا كأساس يقوم عليه الحق، خصوصا عندما يكون القانون خادما للإرادة العامة ومستمدا من القيم الأخلاقية. إن الحق هنا يتأسس على التعاقد الاجتماعي المبني على قوانين بعيدة عن القوة والعنف.
ما يجب معرفته
إن حالة الطبيعة التي كان يعيشها الإنسان باعتبارها حالة افتراضية خالية من الحقوق، لا تعني نشوء الحق على أساس القوة المنبعثة من الطبيعة الإنسانية، فالتغيرات الطارئة على الحياة الإنسانية فرضت على الجميع الدخول في عقد اجتماعي هو بمثابة اتفاق وتعاقد بين إرادات أفراد يخلق إرادة عامة، يخضع لها جميع المواطنين، وتنقلهم من حالة الطبيعة إلى حالة المدينة/ المجتمع التي تجسد الحرية الأخلاقية التي تسمح للفرد بأن يكون سيدا على نفسه”ليس الأقوى بقوي دائما قوة تجعله يسود أبدا إذا لم يحول قوته حقا والطاعة واجبا”.
يتبين من خلال التصورات السابقة وجود تباين حاد بشأن خضوع الفعل الإنساني للحرية، أو خضوعه للحتمية. فإذا كان ابن رشد قد حاول تجاوز التعارض الكلامي بين المدافعين عن الحرية والمدافعين عن الحتمية من خلال إقراره بخضوع الفعل الإنساني للجبر والحتمية في نفس الوقت، وهو ما لمح إليه عبد
لمواصلة هذا الملخص، قم بالتسجيل بالمجان في كيزاكو