ليس الإنسان كائنا عاقلا، تاريخيا أو سياسيا فحسب، بل إنه كائن أخلاقي أيضا. بحيث يعتبر مفهوم الأخلاق من بين أكثر المفاهيم المعبرة عن الوجود الإنساني في بعده الإيجابي المتمثل في القيم السامية، وتحديد علاقات الأفراد وفق معايير تكبح النوازع الغريزية المعبرة عن الشر والعدوانية.
ارتبط مبحث الأخلاق، الذي يعد من المباحث المركزية في التفكير الفلسفي، بمجموعة من المفاهيم التي دارت حولها نقاشات قوية ومثمرة في الآن ذاته بين تصورات الفلاسفة، ويتمثل أبرزها في: الواجب، والحرية. يثير كل مفهوم من المفاهيم المذكورة مجموعة من الإشكاليات، فالحديث عن الواجب يجرنا بالضرورة إلى التفكير في نوع من الإلزام الذي يفرض على الفرد القيام بفعل أو تركه، فهل الواجب إلزام أم التزام؟ وما مصدر الشعور بضرورة الخضوع له؟ وما علاقته بالمجتمع؟
بالإضافة إلى المفهوم السابق، ارتبط مبحث الأخلاق أيضا بمفهوم الحرية، باعتبارها من القيم السامية التي عمل الإنسان دوما على تحقيقها، لكن الإشكالية التي تسبق هذا التحقيق، هي دقة تحديد مفهوم الحرية، الذي يحول دون تحقيقه مجموع الحتميات والضرورات التي قد تقف في وجه حرية الإنسان. فما العلاقة بين الحرية والحتمية؟ وهل ترتبط حرية الإنسان بإرادته؟ وهل تتعارض الحرية مع القانون؟ أم أن القانون هو الذي يحرص عليها ويحميها؟
إشكالية المجزوءة:
فإذا كانت الأخلاق أوامر وواجبات ،فمن أين تستمد قدرتها على الإلزام ؟ هل الأخلاق إلزام منبعه الذات أم مصدره سلطة قاهرة خارجية؟هل يكفي الإعتماد على الضمير الأخلاقي الفردي؟ أم أنه من الضروري الانتقال إلى المحاسبة القانونية؟ كيف تسمح الأخلاق والقيم الأخلاقية بتحرر الإنسان وهي في ذاتها تقنين لتصرفاته ؟ كيف يمكنه ممارسة حريته داخل قوانين تحد من هذه الحرية؟
ما يجب معرفته
تعتبر الأخلاق مبحث أساسي من مباحث الفلسفة،باعتبارها مبحثا معياريا يحدد القيم التي توجه السلوك الإنساني وتحرره من قيود الطبيعة. وهنا يبرز مفهوم الواجب كأمر أخلاقي يطرح عددا من الإشكالات الفلسفية، إلى جانب مفهوم الحرية وعلاقاته بالضرورة والإرادة والقانون.
مفهوم الواجب:التقديم
إن الإنسان حيوان أخلاقي، ولذلك فتميزه بهذه الصفة جعله يطرح السؤال الأخلاقي التالي: ما الذي ينبغي أن نعمله؟ وفي هذا الإطار استثمر الإنسان عقله الأخلاقي العملي من أجل تشريع قوانين لسلوكه، وسن واجبات لتحقيق الغايات المنشودة من أفعاله. وإذا كان الواجب كلفظ يحيل إلى معنى الإكراه والإلزام، فإنه مع ذلك يعبر عن سمو الإنسان وحريته والتزامه بما يشرعه لنفسه. وإذا كان الوعي الأخلاقي سمة من سمات الكائن البشري، باعتباره ما يسمح له بالتمييز بين الخير والشر، فإن هناك من جعل أساس هذا الوعي في الفطرة البشرية، وهناك من أرجعه إلى العقل، وهناك من عاد به إلى منشئه التاريخ في إطار الصراع حول المصالح. وأمام هذا التعدد في المرجعيات التي تحكم الواجب، نجد أنفسنا أحيانا أمام واجبات ترتبط بسلطة مجتمع ما وظروفه الخاصة، مما قد يؤدي إلى انغلاق القيم الأخلاقية ودخولها في صراع مع مرجعيات أخلاقية أخرى، وهذا أمر يحتم ضرورة المراهنة على أخلاق كونية تؤسس لواجب الإنسان إزاء الإنسان.
كيف تتحدد علاقة الواجب بالإكراه؟ ومن أين يستمد الواجب قوته؟ هل من نداء العقل والضمير الأخلاقي أم من الإكراهات والضغوط الاجتماعية الخارجية؟ بمعنى آخر هل نقوم بالواجب لأجل ذاته، أم لأجل ما يترتب عنه من نتائج؟
تعتبر الأخلاق مبحث أساسي من مباحث الفلسفة،باعتبارها مبحثا معياريا يحدد القيم التي توجه السلوك الإنساني وتحرره من قيود الطبيعة. وهنا يبرز مفهوم الواجب كأمر أخلاقي يطرح عددا من الإشكالات الفلسفية، إلى جانب مفهوم الحرية وعلاقاته بالضرورة والإرادة والقانون.
مفهوم الواجب:التقديم
إن الإنسان حيوان أخلاقي، ولذلك فتميزه بهذه الصفة جعله يطرح السؤال الأخلاقي التالي: ما الذي ينبغي أن نعمله؟ وفي هذا الإطار استثمر الإنسان عقله الأخلاقي العملي من أجل تشريع قوانين لسلوكه، وسن واجبات لتحقيق الغايات المنشودة من أفعاله. وإذا كان الواجب كلفظ يحيل إلى معنى الإكراه والإلزام، فإنه مع ذلك يعبر عن سمو الإنسان وحريته والتزامه بما يشرعه لنفسه. وإذا كان الوعي الأخلاقي سمة من سمات الكائن البشري، باعتباره ما يسمح له بالتمييز بين الخير والشر، فإن هناك من جعل أساس هذا الوعي في الفطرة البشرية، وهناك من أرجعه إلى العقل، وهناك من عاد به إلى منشئه التاريخ في إطار الصراع حول المصالح. وأمام هذا التعدد في المرجعيات التي تحكم الواجب، نجد أنفسنا أحيانا أمام واجبات ترتبط بسلطة مجتمع ما وظروفه الخاصة، مما قد يؤدي إلى انغلاق القيم الأخلاقية ودخولها في صراع مع مرجعيات أخلاقية أخرى، وهذا أمر يحتم ضرورة المراهنة على أخلاق كونية تؤسس لواجب الإنسان إزاء الإنسان.
كيف تتحدد علاقة الواجب بالإكراه؟ ومن أين يستمد الواجب قوته؟ هل من نداء العقل والضمير الأخلاقي أم من الإكراهات والضغوط الاجتماعية الخارجية؟ بمعنى آخر هل نقوم بالواجب لأجل ذاته، أم لأجل ما يترتب عنه من نتائج؟
خاصية
مفهوم الواجب له إرتباط وثيق بمفهوم الإكراه، فالواجب ضروري من حيث أنه يحيل إلى ما يتعين على المرء القيام به، سواء كان أساسه التزام الذات بالقيام بفعل ما عن وعي وحرية داخلية تلزم نفسها به عن طواعية وقناعة ومسؤولية، أم كان مصدر هذا الإكراه إلزاما خارجيا تفرضه قيم المجتمع وقواعده
تعريف
مفاهيم ومصطلحات مفهوم الواجب:
مفهوم الأخلاق : تشير الى قواعد السلوك داخل مجتمع ما وتحديدا الجانب المعقلن من التفكير ما يجعل منه غاية للفعل الانساني
مفهوم الواجب : الزام اخلاقي يجبرالشخص على اداء فعل او الامساك عنه دون اكراه خارجي
مفهوم الإكراه : الاستجابة لضغوطات خارجية توجه الفعل وتعين السلوك
مفهوم الوعي الأخلاق : القيام بالواجب ويتمثل في القدرة على اصدار احكام معيارية على الافعال الانسانية
مفهوم المجتمع : مجموع افراد يقطنون برقعة جغرافية محددة،تجمع بينهم روابط معينة للحياة المشتركة وضوابط و مؤسسات اجتماعية يكفلها القانون،وكل خروج عن القواعد العامة للسلوك يقابلها قهر اجتماعي
تمهيد المحور:
الواجب، هو ما يتوجب على الفرد القيام به، حيث يقترن الواجب بالإكراه، ومن ثم التساؤل عن حدود الحرية التي يمتلكها الشخص إزاء ذاته وإزاء المجتمع الذي ينتمي إليه. فالواجب هو الإلزام الأخلاقي الذي يحدد سلوكات الإنسان، وقد اختلف الفلاسفة حول مفهوم الواجب وطبيعته: لماذا سمة الواجب هي الإكراه؟
هل الواجب يصدر عن إرادة فاعلة وحرة؟ أم هو فعل تحكمه الضرورة والإكراه؟
1ـــــ) أطروحة الواجب أمر أخلاقي قطعي. (موقف إيمانويل كانط).
يذهب إيمانويل كانط أن الواجب هو فعل إلزامي إكراهي، نقوم به احتراما للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل الإنساني، وتجسده الإرادة الخيرة والحرة. إنها إرادة لا تخضع لأي مبدإ خارجي موجه لها، كما لا تخضع للميول الذاتية التي توجه الفعل الإنساني نحو غايات معينة، والتي قد تأتي أحيانا متوافقة مع القانون الأخلاقي، ومع ذلك لا يستحق ذلك الفعل قيمة أخلاقية، لأنه لم يصدر عن احترام القانون الأخلاقي، وإنما صدر عن دوافع أخرى، صادف أن تطابقت مع القانون الأخلاقي. إن الشعور باحترام القانون هو الواجب، ومع أنه واجب يحمل طابع الإكراه والإلزام، مادام يعارض كل الميول الذاتية، إلا أنه مع ذلك واجب يتسم بالالتزام والحرية، لأن الشخص لا يخضع إلا لتشريعات العقل وللإرادة الحرة الواعية.
ما يجب معرفته
الواجب فعل إلزامي وإكراهي، نقوم به احتراما للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل، ومنطلق هذا الفعل هو الإرادة الخيرة والحرة التي لا تخضع لمبدأ خارجي أو لميولات ذاتية ومصالح فردية، لذلك فالواجب هو في حقيقته إكراه حر " إن الضرورة الاخلاقية هي اكراه أي إلزام، وكل فعل مؤسس عليها، يجب أن نتمثله بوصفه واجبا وليس مجرد طريقة للفعل نرغب فيها”
استخدم كانط مثال الكذب كتطبيق لأخلاقياته: نظرًا لوجود واجب كامل لقول الحقيقة، يجب ألا نكذب أبدًا، حتى لو بدا أن الكذب سيؤدي إلى عواقب أفضل من قول الحقيقة. وبالمثل، فإن الواجب الكامل (مثل واجب عدم الكذب) يظل صحيحًا دائمًا؛ يمكن جعل واجب غير كامل (على سبيل المثال، واجب التبرع للأعمال الخيرية)
2ـــــ) أطروحة الواجب إلزام صادر عن المنفعة وضرورات المجتمع. (موقف دافيد هيوم):
يرى أن القواعد الأخلاقية هي قواعد آمرة ملزمة، وفي نفس الوقت قواعد مرفقة بالرضا والرغبة في تحقيق العمل، وبهذا المعنى يكون الواجب إلزاما مرغوبا فيه، ذلك أنه لا ينبغي أن يحتوي الواجب على حد ء التصور الكانطيء على طابع الإلزام والإكراه فقط، بل لا بد من تحقيقه على أحسن وجه من خلال إضافة عنصر الرغبة في القيام بالواجب، حتى يحس الفرد بالمسؤولية ويجازى على أفعاله الواجبة،
ما يجب معرفته
يميز هيوم بين نوعين من الواجبات نوع غريزي ذاتي ونوع إلزامي اجتماعي، وهذا الأخير يوجه الميولات الذاتية الناتجة عن تحقيق المصالح الذاتية (الشخصية) وحب الذات، والمقصود أن هيوم يرى في الواجب بعده التجريبي الجماعي. “لم يكن أبدا هنالك فعل أخلاقي تم القيام به بشكل خالص على أنه واجب، بل يكون من الضروري دوما أن يظهر على أنه جيد ومستحسن ومرغوب فيه”
يمكن تدعيم أطروحة دافيد هيوم بالواجبات التي يقوم بها الناس بدافع غريزي طبيعي، وبدون أي إلزام أو سعي نحو تحقيق منفعة ما؛ مثل حب الأطفال والعطف على المحتاجين. أما الواجبات الثانية فهي تلك التي تكون صادرة عن إلزام نابع من ضرورة المحافظة على المجتمع البشري.
يتضح من خلال ماسبق أن الإنسان ككائن عاقل حسب كانط ومن خلال تجربة الصراع بين الضمير والأهواء، ينبثق المبدأ العقلي للواجب الذي يفرض أوامره على الشخص بشكل إكراهي، فيلزمه بفعل حتى لو تعارض مع ميولاته.فالواجب مرجعه العقل، وغايته فقط احترام القانون الأخلاقي، ومنطقه الإرادة الخيرة، فلا قيمة للفضائل بدون إرادة خيرة مطابقة للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل ويتجسد على شكل أوامر قطعية.ومن هنا نقد الواجب الأخلاقي بمعناه الكانطي، باعتباره مفهوم صوري صارم صرامة تقصي الأهواء، كما تنفي من المنظور الاجتماعي سلطة المجتمع في شحذ مفهوم الواجب الأخلاقي.إن تفسير الفعل الأخلاقي بإرجاعه إلى مصدر أو توجيه خارجي، كالمجتمع أو المصالح، وهو ما تتجاوزه أطروحة كانط وتؤكده أطروحة هيوم، تجعل من القيم الأخلاقية قيما نسبية وينفي عنها طابعها الكوني والمطلق.
ما يجب معرفته
من خلال ماسبق نستنتج أن الواجب يبقى متأرجحا بين الالتزام والأمر من ناحية، وبين الإرادة والاختيار من ناحية أخرى، يتجاوز خاصية الأفراد ليعبر عن قانون يتجاوزهم إلى الآخرين ليصير صالحا وشاملا، ويجسد فعلا صادرا عن كائن عاقل قادر على الالتزام بالقيم العليا في علاقته بذاته وبالآخرين
تمهيد المحور:
إن الوعي الأخلاقي يمثل تلك الخاصية التي تسمح للعقل الإنساني بأن يصدر أحكاما معيارية عفوية على القيمة الأخلاقية للأفعال الإنسانية ، من خلال التمييز فيها بين الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، المباح والممنوع.
ما هو مصدر الوعي الأخلاقي؟ وأين يجد أساسه ومبدأه؟ وكيف يتأتى للإنسان الوعي بالأوامر الأخلاقية؟ وكيف له أن يميز بين الخير والشر؟
1ـــــ) أطروحة الفطرة كأساس للوعي الأخلاقي (موقف جون جاك روسو):
إن أساس الوعي الأخلاقي عند روسو هو مبدأ فطري يمكن الإنسان من التمييز بين الخير والشر. وهذا المبدأ هو ما ينعته روسو بالوعي الأخلاقي الذي يصدر عن إحساس عميق في النفس البشرية، يمكنها من إصدار أحكام على الأفعال ووصفها بالخيرة أو الشريرة.هكذا فمصدر الوعي الأخلاقي هو إحساس داخلي متأصل في الطبيعة الإنسانية، وهو الذي يميزها عن طبيعة أي كائن آخر. وهذا ما يجعل الاجتماع البشري لا يتأسس فقط على الحاجيات البيولوجية وضروريات العيش، بل يتأسس أيضا على الروابط الأخلاقية التي تجد مرتكزها في الأحاسيس الفطرية التي تميز الكائن البشري، وتدله على ما هو خير وما يسمح له بتأسيس علاقته مع ذاته ومع الآخرين في إطار أخلاقي وإنساني.ويميز روسو بين معرفة الخير ومحبته؛ فمعرفة الخير هي معرفة عقلية مكتسبة، لكن محبته هي نابعة عن إحساس فطري لدى الإنسان. من هنا فالوعي الأخلاقي عند روسو هو غريزة إلهية خالدة ومعصومة، وهي الضامنة والمرشدة للإنسان بحيث تمكنه من التمييز بين الخير والشر، وتمنح أفعاله صبغة أخلاقية متميزة.وإذا كان روسو يؤسس الوعي الأخلاقي على الفطرة والغريزة، فإنه يتجاهل الظروف التاريخية والعوامل الاجتماعية التي تقف وراء نشأة الوعي الأخلاقي. وهو ما أكد عليه مجموعة من الفلاسفة، ومن بينهم نيتشه.
ما يجب معرفته
يؤكد جون جاك روسوعلى فطرية الضمير الأخلاقي فالإنسان سواء في تقييمه للأشياء أو الحكم على الآخرين، يكون منطلق أحكامه نابعا من مجمل الأحاسيس الفطرية التي يمتاز بها الفرد والدافعة عفويا إلى الخير، والتي يجسد بعضا منها في حب الذات، الخوف من الألم، الرغبة في العيش السعيد. غير أن هذا لا يعني أن الفرد يظل حبيس ذاته، بل يكون مضطرا إلى العيش ضمن جماعة تكفل له باقي حاجاته التي يعجز عن تحقيقها، وبهذا فالوعي الأخلاقي حسب روسو ذو مصدر غريزي فطري كامن داخل الإنسان “يوجد في أعماق النفوس البشرية مبدأ فطري للعدالة والفضيلة”
[kezakoo section ="attention"]
يمكن استثمار موقف كانط في هذا المحور الثاني، باعتبار أن كانط يجعل مصدر الواجب في العقل ويؤسسه على القانون الأخلاقي الصادر عنه.
2ـــــ) أطروحة الوعي الأخلاقي أساسه في العلاقات التجارية ( موقف نيتشه):
نيتشه ينتقد تصور،الذي يربط الوعي الأخلاقي بطيبوبة الإنسان وحبه للآخرين أو بفطرته الخيرة التي أفسدها المجتمع، مؤكدا أنه يجد أصله في الرغبة في الانتقام وممارسة العقاب على الخصم نظرا لوجود علاقة غير متكافئة بين الدائن والمدين وبين العبد والسيد وبين الضعيف والقوي. إن الوعي الأخلاقي تعبير عن الصراع والقسوة والقوة. لذلك على الفعل الأخلاقي أن يخدم ويزيد من قوة الحياة، لا أن يضعفها ويضع لها حدودا تحاصرها. وهنا يميز الفيلسوف بين نوعين من الأخلاق: أخلاق السادة التي تجسدها القوة والعنف والاستغلال... وأخلاق العبيد التي تجسدها الرحمة والشفقة والمساواة.
ما يجب معرفته
يؤكد نيتشه على أن الوعي الأخلاقي ذو جذور تاريخية وتجارية؛ إذ أنه يجد مرتكزاته في الصراع الذي حصل بين الناس حول المصالح الاجتماعية والاقتصادية. ولذلك فالإنسان لا يلتزم بالواجبات الأخلاقية في ذاتها، كما لا تكتسي هذه الواجبات صبغة ثابتة ومطلقة، بل إنه يتوخى النتائج النافعة المترتبة عن تلك الواجبات، مما يضفي عليها طابع النسبية والتغير.
مثال العلاقة تجارية بين الدائن والمدين: بحيث نشأ الوعي الأخلاقي في إطار علاقة تجارية بين الدائن والمدين؛ حيث أن هذا الأخير عجز عن أداء ما عليه من دين للأول، باعتباره واجبا عليه، فعوض له ذلك بخضوعه له وانصياعه لأوامره. من هنا فأصل الوعي الأخلاقي، وبالتالي أصل الخير والشر، هو تلك القيم والواجبات التي وضعها الدائنون ليعاقبوا بها المدينين ويصبحوا سادة عليهم.
تذهب بعض الأطروحات الفلسفية أن الوعي الأخلاقي متجذر في طبيعة الإنسان ذاتها، أي أن الوعي الأخلاقي يوجد في الفطرة والغريزة، ومن ثم فإن الإنسان يتجه طبيعيا إلى قبول الخير ورفض الشر. غير أن التأكيد على فطرية الوعي الأخلاقي قد يتجاهل دول العوامل والظروف الاجتماعية والثقافية الخفية التي كانت وراء نشأة الوعي الأخلاقي.
ما يجب معرفته
إن الوعي الأخلاقي مسألة فطرية متأصلة في الإنسان، ومميزة له عن الحيوان، وبلا شك فإن إلصاق صفة الأخلاقية به يجعل الإنسان قادرا على التمييز بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، وإن الوعي الأخلاقي هذا يستلزم فاعلية حرة مريدة ومسؤولة تجاه الذات والمجتمع.
تمهيد المحور:
ليست مسألة الواجب مسألة فردية ذاتية، ولا هو شأن خاص أو خصوصي، بل إنه في العمق شأن اجتماعي، إن لم نقل إنساني أيضا.
هل الواجب الأخلاقي هو مجرد صدى لصوت المجتمع أم أنه يتجاوزه إلى مستوى الإنسانية ككل؟ وهل هو خاص يتعلق بكل مجتمع على حدة أم أنه كوني يتعلق بجميع الناس؟ وهل الفرد ملزم بواجبات نحو مجتمعه فقط أم بواجبات نحو الإنسانية أيضا؟
أطروحة الواجب الأخلاقي هو ترديد لصوت المجتمع (موقف إيميل دوركايم)
ما يجب معرفته
يرى دوركايم من خلاله أن المجتمع هو مصدر السلطة الأخلاقية التي تتحكم في سلوك الأفراد, فباعتباره هو مصدر القيم الدينية الفكرية، الأخلاقية... فهو من يحدد الخير والشر للأفراد، ويجعلنا ننصاع لبعض الأوامر أو نترك بعضها الآخر، وذلك انطلاقا من عملية التربية والتنشئة الاجتماعية، وبالتالي فدوركايم ينفي أن يكون الواجب صادرا عن العقل (كانط) أو عن الضمير الفردي (روسو)، وإنما يصدر عن سلطة المجتمع ( الضمير الجمعي)، إنه السلطة التي تجسد مطالب المجتمع وتتجسد في الضمير الأخلاقي لكل فرد، فضمير الفرد ليس إلا انعكاسا للضمير الجمعي “المجتمع ليس سلطة أخلاقية فحسب، بل كل الدلائل تؤكد أن المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة أخلاقية.”
مثال الاشتراكية: بوصفها تيارا من التيارات السياسية المعاصرة، إنما هي واقعة من وقائع الرأي العام أو شكلا من أشكال الفعل الإنساني الذي يرمي إلى تحقيق مثل أعلى يتمحور حول قيم العدالة الاجتماعية والمساواة. إنها بهذا المعنى تصور سياسي لما ينبغي أن يكون عليه الواقع، أو حلم من أحلام الروح الجمعية. إنها بعبارة أخرى شكل من أشكال التمثلات الجمعية.
2ـــــ) أطروحة من الواجب إزاء المجتمع إلى الواجب إزاء الإنسان. (موقف هنري برغسون):
يرى برجسون أنه بالرغم من أن المجتمع يتكون من إرادات فردية حرة، فإن هذه الإرادات تؤلف في انتظامها جهازا عضويا يرسخ أنساقا من العادات الجماعية التي تمارس إلزامها وسلطتها على الأفراد. فالمجتمع هو الذي يحدد للفرد واجباته وقواعد سلوكه اليومي. ويتم خضوع الفرد للمجتمع بنوع من الآلية والعفوية التي لا يكاد يشعر الأفراد خلالها بذلك الضغط الممارس عليهم من قبل المجتمع. غير أن هذه الواجبات تتحول إلى عادات محدودة وذات طابع سكوني ومنغلق، مما يحتم ضرورة، حسب برغسون، الانتقال بها إلى مجال المجتمع المفتوح الذي هو الإنسانية ككل. إن علينا واجبات نحو الإنسان كإنسان، كاحترام حياة الآخرين واحترام حرياتهم ومعتقداتهم، ولذلك يجب ترسيخ قيم وواجبات كونية من شأنها أن ترسخ السلم والتسامح بين كل أفراد بني الإنسان.
ما يجب معرفته
يفرض المجتمع نوعا من النظام يبدو ظاهريا مؤلفا من إرادات وحصيلة لحريات الأشخاص، بينما هو نسق من الإكراهات والواجبات والإلزامات، وما على الإنسان إلا أن يخضع لها، لكن من هذه الواجبات ما يتجاوز المجتمع لينفتح على الإنسانية ككل، وبالتالي فواجبات الإنسان نحو غيره تتخطى الإطار المغلق الذي يحصرها في كونها مجرد واجبات نحو أفراد المجتمع الذي ينتمي إليه، أو أخلاق تهدف إلى تأمين بقاء الجماعة، إلى إطار مفتوح يدفع الإنسان نحو قيم الإخاء والتعامل مع الإنسان من حيث هو إنسان”. (إن علينا واجبات نحو الإنسان من حيث هو إنسان، وليست مجرد واجبات اجتماعية”
مما سبق يمكن أن نخلص على أن الإنسان باعتباره عضوا في جماعة، يتأثر بها ويؤثر فيها، يأخذ عنها قيمها الأخلاقية، ومن ثم فالمجتمع هو الذي يحدد الواجبات ويرسخها ويعمل بقوة على حفظها، إلا أنه لابد من الاعتراف بقيمة الانفتاح على الواجبات ذات البعد الإنساني. ذلك أن الاكتفاء بواجبات المجتمع قد تؤدي إلى خلق ممارسات منغلقة قد تولد الصراع بين المجتمعات، في حين أن التركيز على القيم الإنسانية من شأنه أن يساهم في توطيد العلاقات السلمية بينها.
ما يجب معرفته
ربما اختلفت التصورات السابقة حول مصدر الواجب، لكن ما يمكن استنتاجه هو أن هذا المصدر يقتضي خروجه من دائرة الضمير الأخلاقي إلى الوقوف واقعيا أمام ما يضعه المجتمع من إكراهات وواجبات، وهذا الوقوف لا يتأتى إلا بالتمتع بأقصى درجات الإرادة الحرة التي تمكن الفرد أيا كان، من اختيار الواجب الذي ينبغي تحقيقه أمام تأزم المواقف التي تواجهه في الحياة، وذلك في ظل تعدد الواجبات وتضاربها، إن لم نقل تصارعها.
لمواصلة هذا الملخص، قم بالتسجيل بالمجان في كيزاكو