تعريف
يندرج مفهوم الغير ضمن مجزوءة الوضع البشري و العلاقات البشرية بمختلف أبعادها الأنطولوجية. كما يمكن اعتبار الغير في التعبير الدارج هو الآخر.هوالمختلف، الذي لا يشاركني نفس الانتماء للقبيلة أو للبلد أو للدين أو للغة... وهكذا فهو لا يشير الى فرد محدد، لأن كل ذات تنظر الى الغير باعتباره آخرا مختلفا عن الذات/عنا. أما فلسفيا فيمكن اعتبار الغير هو الآخر منظورا اليه ليس بوصفه موضوعا، بل بوصفه أنا آخر". "الغير هو الآخر،الأنا الذي ليس أنا". (جون بول سارتر).انه ذات أخرى مقابلة للأنا، وهي مطابقة له في آن واحد لأنها ذات حرة وعاقلة ومريدة...أما الآخر فهو أعم من الغير،فقد يشير الى الغير أو الى أي شيء من الأشياء.انه يشير الى كل ما يخالف موجودا ما بوجه عام. ان التمييز بين اللفظين في دلالتهما الفلسفية يحيلنا على عدة من مفارقات واشكالات من خلال هذا التنوع والإختلاف الواضح في تحديد المعنى الدلالي لمفهوم للغير،يمكننا صياغة الإشكالات الفلسفية التالية :
هل وجود الغير ضروري بالنسبة للأنا؟
وهل يمكن الحديث عن الأنا في غياب الغير؟
وهل بستطاعة الذات معرفة الغير؟ وان امكن لها ذلك فكيف يمكن معرفته بوصفه وعيا آخرا ؟
وكيف يتحقق التواصل مع الغير؟.وهل يمكن قيام علاقة بين الأنا والغير بمعزل عن السيطرة والعنف وعلى أساس الاحترام والحوار؟.
ما يجب معرفته
مفهوم الغير يتأسس على المفارقة التي تجعل منه ،في نفس الوقت، مطابقا للأنا (أنا آخر مثلي ) ومخالفا لها (أنا ليس أنا)، الشيء الذي سينعكس في القضايا والأطروحات التي ارتبطت بهذا المفهوم في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر بالخصوص، وأهم هذه الإشكالات : وجـــــود الغيـــــر : هل من ضرورة لوجود الغير بالنسبة للأنا ؟ معرفـــة الغيــــــر : هل يمكن تحقيق معرفة حول الغير في ظل المفارقة التي يبدو معها شبيها بالأنا ومخالفا لها ؟ العلاقـة مع الغيــر : هل تتأسس العلاقة مع الغير على الصداقة أم الصراع؟
تعريف
مفاهيم ومصطلحات مفهوم الغير
مفهوم الغير: ذات مفكرة مثلي او الانا الذي ليس انا.
مفهوم الوجود : الحضور الواقعي للاشياء والاشخاص في العالم وتجليها المادي فيه
مفهوم العلاقة : رابطة مادية او وجدانية بين شيئين او شخصين واكثر
مفهوم الصداقة : فضيلة ورابطة انسانية نبيلة،وشعورلحاجة القيام بعمل الخير تجاه الغير
مفهوم الغرابة : علاقة قائمة على التعارض وهي مدعاة للعداء ولاقصاء الغير وافقاده وحدته وانسجامه
مفهوم الغيرية : الدعوة لمحبة الغير والتضحية بمصالحنا لفائدة الغير في مقابل الانانية
مفهوم البينذاتية : جماعة ذوات تحاول كل ذات فيها الحفاظ على وجودها وسط الذات الاخرى لانها شرط للوجود الواقعي لكل انسان
مفهوم البنية : مجموعة من العناصر المترابطة بحيث تشكل كلا موحدا،تتحدد داخله العناصر المكونة له بعلاقتها المتبادلة وقوانينها الداخلية
مفهوم التواصل : الفعل الذي عبره يخرج كل وعي عن عزلته وانيته لينفتح على الغير
مفهوم الوعي : مجمل العمليات الشعورية التي تمكن الذات من ادراك مباشر لذاتها ولما تقوم به ولما يحيط به
تحيا الذات الى جانب الغير، تفيده وتستفيد منه ، واحيانا يغيب الغير عن الذات فزيائيا فتفترض الذات وجوده تصوريا، لكن احيانا يوجد الغير فعلا لكن الذات لا تستسيغ ذلك"الاختباء من الغير، رفضه، الامتناع عن الاعتراف به." إن كل ذلك يؤكد ان لوجود الغير نتائج خطيرة وحاسمة على وجود الذات وعلى وعيها بنفسها وبمحيطها.
هل وجود الغير ضروري لوجود الذات؟ وهل وجوده هو شرط وعي الذات لوجودها؟ هل وجوده حقيقي ام افتراضي؟ وما الذي يترتب عن ذلك؟ هل في وجوده اغناء للذات ام افقار لها وتهديد لحريتها؟
بعد ان كان الفكر الفلسفي متأسسا على منظومة الموضوع في الحقب القديمة والوسيطة، فقد انتقل الى منظومة الذات في المرحلة الحديثة، وينطلق ذلك منذ لحظة ديكارت، إذ من خلال الكوجيطو(أنا أفكر اذن أنا موجود)،نظر أب الفلسفة الحديثة إلى "الأنا المفكرة" بوصفها يقينا مطلقا مستقلا عن جميع الذوات، ومن هنا يصير وجود الغير مجرد افتراض قابل للشك وللمراجعة شأنه في ذلك شأن كل الموجودات الاخرى/الموضوعات.وهكذا يعتبر ديكارت أن الوعي بالذات في غنى عن اي عنصر آخر، ذلك ان وجود الأنا ووعيه لوجوده وللعالم لا يتعلق الا بخاصية التفكير، ولا يفترض اي وساطة خارجية بما في ذلك فرضية وجود الغير. ومن هذا المنطلق لا يعتبر وجود الغير ضروريا بالنسبة لصاحب الكوجيطو لأن وجود الأنا مستقل تماما عن كل شيء باستثناء الفكر.
ما يجب معرفته
إن إمكانية إدراك وجود الغير مسألة قائمة حتى في حالة الانغلاقية والعزلة، ولكن بعد أن تعي الأنا المفكرة ذاتها، فوعيها هذا هو أساس كل معرفة، ومن ثم لا يمكن معرفة ذاك الشبيه (الغير) إلا عبر معرفة الأنا، وبواسطة استدلال عقلي (المماثلة) لا يمكن أن يبلغ درجة اليقين. وهكذا فوجود الغير وجود جائز ومحتمل فقط، أو على الأقل يتوقف على استدلالات الأنا نفسه. “قد يكون ما أراه في الواقع من النافذة سوى قبعات ومعاطف لآلات صناعية تحركها لوالب”
يقول ديكارت في كتابه التأملات الميتافيزيقية مايلي: "أنظر من النافذة فأشاهد بالمصادفة رجالا يسيرون في الشارع، فلا يفوتني أن أقول إني أرى رجالا بعينهم، مع أني لا أرى من النافذة غير قبعات ومعاطف قد تكون غطاء لآلات صناعية تحركها لوالب . لكني احكم . بأنهم أناس. وإذن أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني. وبالتالي فوجود الغير ليس ضروريا لوجود الأنا.
يقدم الفيلسوف الجدلي الالماني فريدريك هيغل تصورا يدعو لتجاوز النزعة الذاتية التي تأسست عليها فلسفة "ديكارت" المبنية على اعتبار الأنا قادرا على تحقيق وعيه بذاته في استقلال أنطولوجي مطلق عن العالم والآخرين . ف "هيجل" يؤكد عكس ذلك على ضرورة وجود الغير في تشكيل الوعي بالذات، حيث لا يكتمل وعي الانسان بذاته إلا عبر الإعتراف به من طرف الغير . فكل ذات تطمح لتحقيق الإعتراف بها من طرف غيرها، ويفقد الوعي الذاتي مضمونه الحقيقي اذا ما بقي منعزلا، لذلك نطلب الرضى أو القبول من طرف الغير.. وما دامت غاية الحصول على الإعتراف تميز الأنا و الغير معا، فإن نتيجة ذلك هي دخول الطرفين (أو الوعيين) في صراع لا يحسم إلا باستسلام أحدهما، وتنشأ انذاك بينهما علاقة سيد بعبد أومتبوع بتابع. وبذلك يقر "هيجل" بأن الوعي بالذات لا يتحقق بشكل معزول عن الغير، بل يتوقف على اعتراف متبادل وذلك بعد صراع ديالكتيكي يكون ثمنه إما السيادة أو التبعية. وهنا يبدو الموقف الجدلي الهيغلي واضحا في تأكيد ضرورة وجود الغير على خلاف الفلسفة الماهوية الديكارتية.
ما يجب معرفته
وجود الغير ضروري لتحقق الأنا وعيها بذاتها من خلال صراعها ضد الغير من أجل نزع الإعتراف. “تسعى الذات إلى تجاوز وجودها الطبيعي الحسي نحو تحقيق رغباتها فهي في نفس الوقت تسعى لتحقيق وعيها بذاتها، لكن هذا الوعي بالذات يصطدم برغبات ذات أخرى وهو ما يؤدي إلى صراع بين الرغبات،تجد الأنا فيه نفسها مجبرة على الدخول في صراع قاتل ومميت من أجل نزع الاعتراف ضد نقيض الأنا وهو الغير”
مثال العبودية : فاالصراع بين العبيد والأسياد، فالسيد لا يمكنه أن يعي وجوده كسيد دون وجود الغير الذي هو العبد، وكذلك بالنسبة للعبد، فلا يمكنه أن يعي وجوده كعبد دون وجود سيد له.ومن هنا فوجود الغير هو ضروري للوجود الأنا.
عرف سارتر الغير بأنه " الأنا الذي ليس أنا " أي أن وجوده مختلف عن وجود الأشياء و الأدوات، ان الغير نظام مترابط من التجارب المستقاة لكن وجوده يحمل مفارقات شديدة التعقيدلانه كذلك جحيم"الاخرون هم الجحيم"، فهو يحدد الأنا كموضوع لا كذات، والانا تقابله بمثل ذلك[اعتبر نفسي شخصا واعتبره اخرا وهو يعتبر نفسه شخصا ويعتبرني موضوعا.]
ويحمل وجود الغير عند سارتر رغم كل ما يطرحه من إشكالات و تحديات ضرورة قصوى، فالأنا لا تعرف ذاتها إلا بوجود الغير، أي أنها باعتبارها كذلك لا يمكن أن تنفصل عنه رغم انه يتمتع بكامل حريته و استقلاليته عنها .
الإنسان عند سارتر ليس سجين حياته الداخلية، بل هو في الواقع معرض دائما لتجربة الغير مما يجعل وجود هذا الغير ضروريا، لكن هذا الوجود رغم كل اهميته فهو خطر وسلبي اذ يفقرني ذاتيتي، ويحد من حريتي، ويشيئني...ان وجود الغير اذن ضروري، فبه اكتشف ذاتي، لكنه خطر وسلبي، لانه يحد من تلقائيتي وذلك عبر عدة مظاهر كالنظرة والاهانة والاحتقار...وبذلك نستنتج هذا الوضع الاشكالي والمفارق لوجود الغير ولما يترتب عنه على وجود الذات وحريتها ووعيها بذاتها
ما يجب معرفته
يرى أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة صراع على مستوى الوجود،على اعتبار أن كلا من الأنا والغير يريد انتزاع الاعتراف من الآخر، وذلك باستلابه وشل إمكاناته بفعل النظرة. إلا أن هذا الصراع يبقى ضروريا لتعي الأنا ذاتها بوصفها ذاتا حرة ومتعالية، وهكذا فوجود الغير. مع «سارتر» يشكل وسيطا ضروريا بين الأنا ونفسها، عبره تحقق الأنا وعيها بذاتها . “الغير هو الوسيط الذي لا غنى عنه بيني آنا وبين نفسي : فانا خجول من نفسي من حيث اتبدى للغير”
مثال تجربة " الخجل" الذي هو حالة قصدية/ شعورية إزاء شيء ما .الذي هو الذات؛ وهذا معناه، بعبارة أخرى، أن الخجل يخلق علاقة باطنية بين الأنا والأنا، وهو مع ذلك ليس ظاهرة تأملية ذاتية فحسب، بل إنه خجل أمام ذات أخرى أو أنا آخر:" أنا خجول من نفسي من حيث أتبدى للغير" فالخجل خجل من الذات أمام الغير
على ضوء هذه المواقف نخلص إلى أن مسألة وجود الغير بالنسبة للأنا هي مسألة جد معقدة، وأنها تتخد أبعادا متباينة وأحيانا متناقضة، فوجود الغير ليس ضروريا حسب الفلسفة الديكارتية لأن الذات قادرة على إدراك نفسها ككوجيطو دون الحاجة لفرضية وجود هذا الغير الذي يبقى مجرد [معاطف تحرها لوالب].لكنه بالمقابل يكتسي أهمية قصوى لدى الفلسفة الجدلية الهيغلية، حيث لا تدرك الذات وجودها إلا عبر وساطة، وهي وجود الغير [جدلية العبد والسيد]. كما أنه يتخد دلالة مزدوجة عند الوجودي الفرنسي سارتر، ذلك أن وجود الغير ضروري لكنه سلبي ف[الغير هو الأنا الذي ليس أنا] لكنه في نفس الوقت يحد من حريتي ويشيئني خاصة عبر النظرة ف[الآخرون هم الجحيم]. وفي جميع الحالات فإن الذات تسعى دائما إلى فهم ذاتها ومحيطها وغيرها، فهل يعني ذلك أن الغير قابل للمعرفة ؟
ما يجب معرفته
من خلال ماسبق نستنتج أن حضور الغير في تجربة الأنا، يشكل ضرورة وجودية ملحة باعتبار أن الوعي الحقيقي بالذات ليتاتي بالتصادم مع الغير ونزع اعترافه، مادام الشخص ملزما بالحيش داخل جماعة ومع الغيار والأشباه، ورغم أن انغلاقية الانا وعزلتها هو ما يثير مشكلة وجود الغير.
لمواصلة هذا الملخص، قم بالتسجيل بالمجان في كيزاكو