الله عز وجل استخلف الإنسان في الدنيا وجلها دار ابتلاء وتمحيص المحسن من المفسد فينال الأول الثواب ويستحق الآخر العقاب، وما كان الله ظلاما للعباد وإنما حكمه العدل الحق فكل من صار على الصراط واقتفى أثر الصالحين نال المراد، وطريق النجاة واضحة ظاهرة لكل من تدبر الوحي بنوعيه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن بين الأحاديث الهادية إلى الطريق المستقيم "حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله"، وهو موضوع الدرس الأخير من دروس مدخل الحكمة نشرح الحديث ونتدبره لاستخراج الأوصاف المذكورة فيه والقيم المستنبطة منه، ودورها في صلاح المجتمع واستقراره والتأكيد على أن التحلي بها من صدق الإيمان وكماله.
تمثل يوسف عليه السلام أغلب الأوصاف المذكورة في حديث السبعة الذي يظلهم الله بظله، فهو منذ صغره وشبابه نشأ في طاعة الله وعبادته، كما أنه في شبابه دعته سيدة القصر وهي امرأة ذات جمال ومال وامتنع عن الوقوع معها في فاحشة الزنا وذلك خوفا من الله خشية منه، ولما صار عزيز مصر امتاز بعدله وبعده عن الظلم فكان إماما عادلا؛ قال الله تعالى:﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون* وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين ﴾
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه »
القيم |
شرح الأوصاف |
العدل | إمام العادل: الذي يحكم بين الناس بالحق والعدل ولا يتبع الهوى. سواء كان ملكا أو رئيسا أو قاضيا أو أي مسؤول ولي شأن الناس. |
الاستقامة |
شاب نشأ في عبادة الله: الشاب الذي وفقه الله للاستقامة والتربية الصالحة وجاهد نفسه وكف عن المحرمات رغم عنفوان الشباب واشتعال جذوة الشهوات في هذا السن. |
حب المساجد- الطاعة | رجل قلبه معلق في المساجد: الذي يحب المساجد وكل ما خرج منه أراد أن يعود له فلا تراه إلا ساجد أو راكعا أو مسبحا ذاكرا لله |
المحبة في الله | رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه: علاقتهما مبنية على محبة الله ولا تجمعهما مصالح دنيوية. |
العفة والحياء | رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله: أي طلبته للفاحشة فامتنع خوفا من الله، رغم تيسير سبل المعصية من جمال المرأة ومنصبها، وأنها هي الداعية والراغبة. |
الإخلاص في الصدقة | رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه: كناية عن شدة إخفاء صدقته إخلاصا لله ورأفة بشعور المساكين. |
الخشية | رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه: رجل ذكر الله في مكان لا يراه أحد فبكى خشية من الله فدل ذلك على إخلاصه وابتعاده عن الرياء. |
ما يجب معرفته
خلاصة القول أن الحديث ذكر أوصافا للناس الذين استحقوا ظل الله يوم لا ظل إلا ظله وهي الإمامة العدلة والاستقامة في الشباب وحب المساجد والطاعات والمحبة الخالصة في الله والعفة والحياء والتصدق في السر بإخلاص تام والخشية الصادقة من الله، وهي أوصاف متاحة لأي مسلم في كل زمان ومكان.
صحيح أن التحلي بأوصاف السبعة الذين يظلهم الله أمان من عذاب الله يوم القيامة وحصن من حر الشمس التي تكون قريبة من الرؤوس وضمان بالدخول إلى جنة الرحمن. ولكن فوائدها لا تقتصر على الجانب الآخروي بل تتعداه إلى الجانب الدنيوي فهي سبب في صلاح الفرد والمجتمع فالعدل والاستقامة والعفة والمحبة والتعاون والتآزر مع الفقير دون إذلاله وجرح مشاعره والخشية من الله كلها وتساعد على استقرار المجتمع وازدهاره، لأنها تحافظ على حفظ حقوق الله تعالى والنفس والغير،
ما يجب معرفته
لا تقتصر فوائد التحلي بأوصاف السبعة الذي يظلهم الله بظله على الجزاء الآخروي بل لها تأثير إيجابي على الحياة الدنيوية للفرد والمجتمع فبسببها يصلح المجتمع ويستقر ويزدهر.
الله عز وجل أراد من المؤمن أن يكون مصلح وليس صالحا فقط، وذلك من خلال دعوة الناس إلى الخير وتعرفهم بسبله بعد الثبات عليه، ولذلك كان واجب على كل مؤمن بعد التحلي بهذه الأخلاق الحميدة للسبعة الذين يظلهم الله بظله دعوة غيره لتمثلها من خلال التعريف بها وبآثارها الإيجابية على الفرد والمجتمع، كي يندرج في أمة الخيرية التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ولذلك نجد يوسف عليه السلام استغل جميع الظروف للدعوة إلى الله والتحلي بالأخلاق بالحميدة حتى في أصعب الظروف. فنجده وهو سجين مظلوم في كربات الجور والظلم يدعو السجينين إلى التوحيد وحسن عبادة الله بأخلاقه وسلوكه ثم بكلامه وخطابه.
ما يجب معرفته
نستنتج أن دور المسلم لا يقتصر على الصلاح الذاتي وإنما يجب عليه إصلاح نفسه أولا ثم الانتقال لإصلاح غيره من خلال الدعوة إلى التحلي بالأخلاق والقيم الحميدة مثل أخلاق السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلى ظله.
لمواصلة هذا الملخص، قم بالتسجيل بالمجان في كيزاكو