يقص علينا المقطع السادس والأخير لقاء الإخوة مجددا مع يوسف عليه السلام هذا اللقاء الذي عرف حضور الإخوة لبضاعة رديئة لا قيمة لها عند التجار ورغم دالك حاولوا كسب عطف العزيز بدعوته إلى التصدق عليهم طمعا في جزاء الله عز وجل، وهنا كانت المفاجأة وذلك بسؤال العزيز إياهم عن أفعالهم مع يوسف وأخيه، وبمجرد سماعهم السؤال علموا أن المتحدث يوسف عليه السلام وذلك لأن حادثة الرمي في البئر لا يعلمها أحد سوى الإخوة ويوسف الملقى به وبذلك تحقق الوعد الإلهي والرحمة الربانية التي شملته أثناء وضعه في الجب؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون ﴾، وفعلا كشف لهم يوسف عن حقيقة شخصه موضحا أن العاقبة الحسنة والمكانة الرفيعة كانت من نعمة الله عليه وتحليه بالتقوى والصبر والإحسان، وهنا اعترف الإخوة بذنبهم وخطأهم، ورغم أن يوسف في مركز قوة وهو عزيز مصر وإخوته في مركز ضعف وانهزام كونهم مذنبون وغرباء عن البلاد يستطيع إنزال أشد أنواع العقوبات إلا أن حلمه ورحمته جعلته يعفو عنهم بدون عقاب ولا لوم لا جسدي ولا كلامي بل أمرهم بحمل قميصه وإلقائه على وجه أبيه لكي يرتد إليه بصره ثم يأتوا بأهلهم أجمعين إلى بلاد مصر يتخذونها موطنا عوض عن فلسطين وهذا كان سبب انتقال ال يعقوب – بنو إسرائيل من فلسطين إلى مصر - ، وبالفعل بمجرد تجاوز قافلة الإخوة حدود مصر انشرح صدر يعقوب وأحس بريح يوسف يقترب ولكن من يحيط به اعتبر ذلك من تخاريفه القديم نتيجة حبه المفرط ليوسف وبمجرد قدوم القافلة ورمي القميص عليه عاد إليه بصره واعترف له أبنائه بذنوبهم وتابوا إلى الله وطلبوا منه الاستغفار لهم فعفى عنهم ولم يعنفهم واستغفر الله لهم. ثم انتقل الجميع إلى بلاد مصر واستقبل يوسف أهله وأكرم أبويه وسجدا له رفقة باقي إخوته سجود الاحترام والتحية وهذا كان جائزا عندهم في شريعتهم، فلما رأى يوسف ذلك الأمر أعلم أباه أن هذا تفسير وتحقيق رؤياه التي رآها في الصغر؛ قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ ياأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِين ﴾ وذلك أن القمر هو الأب والشمس هي الأم و الكواكب الأحد عشر هم الإخوة. ومن تواضع يوسف وحلمه نسبة الفضل كل الفضل لله عز وجل ولطفه واعتبار أن ما كان بينه وبين إخوته من وسوسة الشيطان وأخيرا توجه متضرعا إلى الله وداعيا إياه بحسن ختم دنياه بقبض روحه وهو مسلم لله وكذا حسن آخرته بحشره مع زمرة الصالحين والأخيار . وبهذا طوى لنا القرآن قصة يوسف مع أهله هذه القصة التي وصفها الله تعالى بأحسن القصص والتي فيها من العبر والعظات ما لا يحصى قصة تدل على أن العاقبة الحسنة تكون للصابرين والمتقين وأن تدبير الله ولطفه فوق تدبير البشر وأن كثير من المنح في طياتها محن والعكس صحيح فكثير من المحن تكون سبيلا لمنح ربانية، و العفة والحياء والوفاء بالأمانة والمسؤولية أساس صلاح الفرد والمجتمع...
وفي ختام السورة انتقل الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وأمته بضرورة الاعتبار والاتعاظ بالقصص القرآني وحال الأمم السابقة مع تذكير الرسول بأن دوره التبليغ والتذكير وليس إكراه الناس على الإيمان فرغم أن قصة يوسف فيها من الآيات والعلامات التي لا تدع للشك مجالا في وحدانية الله وعظمته فقد يجد من لا يؤمن بها مثل الذي يمر على العلامات الكونية ولا تحرك إيمانيه ولا تقويه ولذلك أمره بالاستمرار في دعوته على المنوال نفسه والطريق الواضح المستقيم وأن النصر والعاقبة الحسنة للمحسنين وأن الخزي والسوء للمعرضين عن دعوته والكافرين الجاحدين.
لمواصلة هذا الملخص، قم بالتسجيل بالمجان في كيزاكو